Wednesday, November 5, 2008

القصة المغربية في الستينات


مالكة عسال
مقدمة
القصة القصيرة جنس أدبي يعتمد السرد الحكائي بشكل مراوغ محير ،يزوغ من بين الأنامل ،حيث لم يستطع أي أحد لحد الآن أن يحكم القبض عليه ..القصة القصيرة تتملص من أي تعريف ذي معايير ثابتة ،أو قرائن جاهزة ،لأنه جنس أدبي حديث مستقل بذاته وبلغته وبأشكاله ،فهي قد تعبر عن فكرة أو عن شخصية أو عن لحظة ،هدفها الأسمى صفعة القارئ بصيغة من الدهشة ،أو بفكرة مكهربة ...تعتمد القصة القصيرة في تعبيرها الاشتغال على الفرد دون المجتمع ،وتحليل وضعيته منسربة من خلاله إلى الفئة الاجتماعية المقصية والمهمشة ...
القصة المغربية عرفت ميلادها الحقيقي في الخمسينات والستينات
على أيدي قصاصين مغاربة يشار إليهم بالبنان ،ساهمت في بلورتها عدة دواعي وعوامل من ضمنها :التضخم الإديولوجي ،وبحث الإنسان عن ذاته ووجوده ومستقبله ،والتشبع بالروح الوطنية كما أذكى نارها من جهة أخرى تلاقح التجارب: الشرقية منها والغربية بالإضافة إلى وسائل الإعلام ...
1- مواضيع القصة القصيرة المغربية
تشكلت مواضيع القصة المغربية إبان الستينات القصيرة ،وتعددت
من حيث المبنى والمعنى مما ألبسها حللا تستبعدها تماما أن تكون القصة النموذج لغة ومعجما وبناء، حيت تلونت بين الحكاية، والمقامة، والمناظرة، والحديث كما عرفت بالوان أخرى كالقصة الوعظية، والقصة التاريخية وغيرهما وفق ما تحبل به من مواضيع ..
المواضيع الدينية : حيث أن الإديولوجية تراكمت بسلبياتها وإيجابياتها،وتناسلت عدة تيارات متقاطعة أحيانا متناقضة أحيانا أخرى ،كانت دعوة الإصلاح بالعودة إلى الدين كمرجعية أساسية تُقوِّم كل سلوك ،وتعيد كل زائغ إلى المسار القويم ،فالتفّ القصاصون المغاربة تحت لوائه ،يصوغون قصصهم وفق تعاليم الإسلام، الهدف الأسمى منها بعث قيم الحب والتضامن والتسامح ،والاحترام المتبادل ،هذه القيم التي بدأت تنقرض ،ومن جهة أخرى لتقويم الأخلاق التيأخذ يسودها الضلال والانحلال ....
المواضيع الاجتماعية
لقد كان لتردي الأوضاع المغربية إبان الاستعمار، العامل الأسمى في بروز القصة المغربية بلون آخر، يتقصى الحقائق الاجتماعية ويشخصها ،كما يفضح ماآل إليه الوضع الاجتماعي من انقسام حيث ظهرت طبقتان :طبقة بورجوازية موالية للاستعمار تتمتع بثراء فاحش ،وأخرى مقاومة مناضلة سدت عليها كل منافذ الرزق ،مما جعلها تعيش حالة القهر تحت آلة الفقر ،فكان شغل القصة القصيرة في هذا الظرف الحالك، تعرية الأوضاع الإجتماعية المقهورة ،التي ترزح تحت نير الجوع والظلم والاستبداد...
المواضيع السياسية الوطنية
اشتعلت نار المقاومة ضد الاستعمار بكل الطرق: المواجهة العسكرية والتنظيمات السياسية وشرائح المجتمع المدني على اختلاف أنواعها ،فكان للإبداع دوره في هذا المجال سردا وشعرا وفنا تشكيليا ومسرحا وغيرها ،فكان على القصة المغربية أن تمسك المشعل هي الأخرى ،حيث شمل السرد أسلوبا نضاليا متشبعا بالوطنية، داعيا إلى مواجهة الاستعمار بكل الطرق ،مستنكرا هيمنة الاستعمار على خيرات المغرب وجبروته ،رافضا معاملاته الاستعمارية التنكيلية المستبدة وما تلحقه من ضرر للمواطنين عن طريق الاعتقالات والتعذيب ،داعين إلى الوحدة والتضامن ....
المواضيع التاريخية :
وكان هذا اللون طرف آخر من جسد القصة المغربية إبان الستينات، مستعملا بصورة واضحة السرد (فلاش باك) يستنهض من التاريخ المغربي الأمجد، العملَ البطولي السالف ،تُشِيدُ بمباهجه السارة، وكفاح المغاربة المتواصل، الذي مازال منقوشا على صفحات التاريخ ،والهدف من ذلك هو توضيح المواقف وتأجيجها، لتوطين الحماس في عمق المغاربة للحذو حذو الأسلاف ، والقصدية غرس مبادئ وطنية في النفوس متشبعة بالغيرة على الوطن ..
هذه فقط لمحة صغيرة من بعض ماكانت تحمله القصة القصيرة في رحمها إبان الستينات...اختلف في تشكيل روافدها الأدباء المغاربة ،لكن المصب كان واحدا وهو وضع علاج حقيقي للوضع المغربي والرقي به نحو الأسمى ...
ومن القصاصين المغاربة الذين عرفت القصة المغربية ميلادها الحقيقي على أيديهم في الستينات:المبدعة خناثة بنونة ،والمبدع مبارك ربيع ،ومحمد الصباغ ومحمد برادة وأحمد المديني والقائمة تطول كنتاج للعوامل سابقة الذكر ....
2- تأثير القصة المغربية بالتجارب الشرقية والغربية
، لقد أدى تلاقح التجارب المغربية بالشرقية والغربية ونسقيهما المزدوجين من حيث هجرة المغاربة وترددهم على الشرق أو الغرب ،أو بواسطة الاطلاع على تجاربهما واستيعابها ،أو بواسطة الترجمة إلى تناغم القصة المغربية معهما، و إنماء االجانب لتخييلي والفني رغم محافظتها على بعض خصائصها الأصلية واكتسبت في الوقت نفسه سمات جديدة أضفت على شخصيتها أبعاداً جمالية، وفكرية، ونفسية ،حيث خطت القصة المغربية خطوات واثقة مقارنة بالقصة العربية، والغربية : الأجواء وفضاءات المحنة انعكست بكل تفاصيلها على موضوعة القصة ،وأصبحت قصة توثق جانبا مهما من تاريخ المغرب ،إضافة إلى تمكن قصاصينا من صنعتهم القصصية وحسن إدارة نصوصهم وثقافتهم ووعيهم لما يكتبون، لقد تمكن عدد من قصاصينا من أن يَظهَروا بشخصية قصصية متميزة وبقدرة على البوح أدت الى صناعة فن قصصي مغربي كبير، أثراه ذاك الإرث الموجود والذي بدأ منذ خمسينات القرن الماضي ،حيث أسست قواعد وركائز لفن القصة. يقول الناقد لحسن حمامة في هذا الباب :"قد وجد جذوره في المشهد الثقافي منذ عشرينيات القرن العشرين، عبر التلاقح الثقافي بين المشرق والمغرب"، ومن خلال إطلاع كتاب تلك الفترة على ‘إنتاجات المغرب من جهة" إذن فاحتكاك التجارب كان لها وقعها على القصة المغربية ،لتمسك مسارها في نضج ملفت ...
3-الجانب الفني للقصة المغربية إبان الستينات
لقد مرت القصة المغربية إبان الستينات بمرحلتين اساسيتين :
الأولى حيث طغت المواضيع الإرشادية والوعظية على الجانب الفني ،فكانت القصة نمطية مبنى ومعنى، تحتكم لثلاث أجزاء اساسية تتحرك في إطارها دون القفز عليها أو تجاوزها: 1- المقدمة كمدخل إشاري إلى بداية السرد تفصح عن عدة مؤشرات يمكن اختزالها في الشخوص والمكان والزمان 2-عرض عقدة القصة كجزء ثان للدخول في عمقها ، والتوغل إلى طرح الإشكالية الأساسية ،أو المحور الذي يدور عليه السرد، ثم تنتهي القصة بفك الإشكال أو العقدة، كجزء ثالث بطريقة تريح القارئ في النهاية ..حيث يُتَناوَل السرد بلغة مبسطة تقريرية ،تستقي معجمها من طبيعة موضوعها ،سواء كان دينيا أو تاريخيا أو اجتماعيا أو سياسيا،بأسلوب يعتمد السلاسة والانسياب والتمطيط ،والشروحات الزائدة ،والإطناب في التعبير، مبني على الحس الواقعي والبصيرة ،يتقصى المبدع الحقائق الواقعية الملموسة بالعين المجردة، واضعا بينه وبين الأشياء مسافات وحدود ،مقيما بينها فواصل حيث يبقى المعنى ملموسا يصله القارئ ..وبمجرد الوصول إليه ينفض يديه من النص نهائيا ...
خلاصة
هذا يإيجاز الواقع السردي إبان الستينات ،حيث بعدها ستتقلد القصة المغربية مقعدها في الحداثة ،عبر سيرورة تاريخية ستضفي عليها تغييرات شكلا ومضمونة ،فتتمرد على القرائن التقليدية الجاهزة لتتشكل مبنى ومعنى ،في صورة جديدة مدهشة مع رواد جدد ....
مالكة عسال

No comments:

Counter