Wednesday, November 5, 2008

تحليل نقدي لقصيدة محي الدين بن عربي تناوحت الأرواح


*بقلم :ميلود قناني


ألا يــا حــمـامــات الأراكـة والـبـــان ترفقن لا تضعـفن بالـشجو أشجاني

تـرفـقـن لا تـظـهـرن بالـنـوح والـبـكـا خـفي صبابـاتي ومكـنـون أحزاني

أطارحها عـنـد الأصيل وبالـضحـى بحنـة مـشـتــاق وأنة هـيـمـان

تـنـاوحت الأرواح في غيـظـة الغـضا فـــمـالـت بأفنان عــلي فأفناني

وجاءت من الشـوق المبـرح والجـوى ومـن طــرف الـبــلـوى إلي بأفنان

فـمن لي بجـمع والمحـصب من مـنى ومن لي بذات الأثل من لي بنعمان

تطـوف بـقـلبــي ســاعة بـعــد ساعـة لــوجـد وتـبـريـح وتـلثـــم أركـاني

كما طاف خير الرسل بالكـعبة الـتـي يـقـول دلـيـل العـقـل فـيها بـنقصان

وقـبــل أحجارا بـهــا وهــو نـاطــق وأين مـقام البـيـت مـن قدر إنسان

فكم عـهدت أن لا تـحـول وأقسمت وليـس لـمخـضوب وفـاء بإيمان

ومـن عـجـب الأشياء ظــبي مـبـرقـع يـشـيـر بعـنـاب ويـومـي بـأجـفـان

ومـرعــاة ما بـيـن التـرائـب والحـــشا ويا عـجـبا من روضة وسط نيران

لقد صار قلبي قابلا كل صورة فمرعى لـــغـــزلان وديــــر لـــرهـــبــان

وبــيــت لأوثان وكـعــبــة طــائـــف وألواح تـــوراة ومـصحف قرآن

أ ديـن بــديــن الـحــب أنــى توجــهــت ركائبه فالـحـب ديـنـي وإيماني

لــنــا أســوة في بـشــر هـنــد وأخــتها وقـيـس ولـيـلى ثــم مــي وغــيلان


تلخيص مضمون القصيدة :
- يستفتح الشاعر قصيدته بالأداة الاستفتاحية ألا مناديا حمامات اعتلت أغصان شجرة الأراكة و شجرة البان ثم يطلب منهن أن يرفقن به مما يلقين في خطابهن من ثمرات التعشق و المحبة المهلكة ثم يكرر دعوته معللا ذلك بأنه يكشف صبابته و مكنون أحزانه ثم يبادلها الحديث بحنين الاشتياق و ألم الهيام و تتقابل الأرواح فوق شجرة تتمايل أغصانها فتحدث بالشاعر أثرا تتحرق له أكباده فتنوع له من الشوق المبرح و الجوى و تذيقه ألوانا من البلوى .
- ثم يكشف الشاعر عن أمله الذي يهيم به قائلا من لي بلقاء الأحبة بمزدلفة و من لي بالأصل مشيرا إلى عين الحبيب و ذاته و النعيم الإلهي القدسي ، فتتكرر لديه حالات الوجد و التبريح تطوف به و تقبله كطواف و تقبيل الرسول للكعبة و قد عاهدته هذه الخواطر بان لا تحول ولكنها لاتفي بعهودها ثم يشير إلى ومض إلاهي شع سناه في شكل ضبي أومأ بأجفانه يرعى في صدره بروضة وسط لاعج من الشوق فحال قلبه إلى مرعى لغزلان ودير لرهبان وكذلك به حاجات دنيوية دنية رمز لها بالأوثان وهيامات روحانية رمز لها بالكعبة
- وينتهي الى أن دينه الحب وهو تمام الدين أسوته من هام بالعشق البشري كمجنون ليلى وأمثاله إلا أن شاعرنا عشقه إلاهي

قراءة في العنوان: إن القصيدة توحي ولا تقرر فالشعر أبعد ما يكون عن الإقرارية الممجوجة والمنبوذة بعالم الإيحاء فالشعر لمح تكفي أشارته وليس بالهدر طولت خطبه .
إن كان للرمزية وطن أو هوية فموطنها وهويتها الشعر الصوفي فيه تتجلى أسمى وظائف الرمزية وقد إختار بن عربي كعنوان دال لقصيدته هاته هو تناوح الأرواح . والتناوح من التفاعل وهو تبادل فعل البكاء تبادل زفرات حرى تصدر من الأرواح هامت بالعشق الإلهي وقد جعل جمع الأرواح فاعلا لفعل التناوح وهي حالة اعترت تلك الأرواح وهنا يطرح سؤال مهم ما مصدر التناوح وماسر التناوح ذلك ما تكشف عنه تضاعيف القصيدة وقد أضفى على الروح وهي أمر معنوي صفة عالقة بعالم المادة ألاوهي التناوح وهذه الاستعارة يستسيغها الذوق ويتقبلها العرف لما في وحي التناوح من معنى عالق بالعواطف والأحاسيس والفعلية في العنوان إيحاء للحدث المعبر عن الحزن ،أما زمنه فكان الماضي وما يدل عليه من وقوع ثابت للحدث الذي انتهت حركيته بتفاعل وتجاذب لفعل البكاء بين جمع من الأرواح.
التشاكل :
التشاكل الصوتي :
لا يمكن أن نغفل ما للأصوات من قيمة تعبيرية تأتيها من مظهرها الفيزيائي أو الأكوستيكي ومن التداعيات المشابهة وقد كان لهذه الظاهرة حيزا جليا في قصيدة تناوحت الأرواح ويتجلى ذلك في حرف النون ففي قــــوله : ترفقن لاتظهرن بالنوح والبكا خفي صباباتي ومكنون أحزاني
أطاردها عند الأصيل وبالضحى بــحــنـة مـشـتـاق وأنـه هـيـمــان
فمن لي بجمع من المحصب من مني ومن لي بذات الأثل من لي بنعمان
لم يكن إختيار الشاعر لحرف الروي النون أمرا اعتباطيا غير مؤسس ولكن كانت له دواعيه وأغراضه فحرف النون شفوي أغن حينما ننطقه يحدث رتابة وإطلاقا غير متناهي تذوب ترجيعاته في تموجات الصوت ولهذا الحدث الصوتي تلازم بالمعنى فالنوح أنين وللأنين رتابة أي مونوتونية أي تكرار صوت واحد داخل حيز زماني مفتوح وهذا الفضاء الصوتي الرحب أشبه بالفضاءات الصوفية الرحيبة فالجوى يسمى معجميا كذلك لإطلاقه في الجو .وأما قرين النون في التكرار فكان حرف الميم و ان كان أقل حظا من النون فنجده منتشرا عبر مختلف المجموعات الدلالية للقصيدة و هو حرف شفهي ينتج من انطباق الشفاه ثم يصدر الصوت ليلقى في الفضاء الأكوستيكي محدثا أثرا يتوسط بين الليونة و الرخوة و الشدة و لهذا التوسط إيحاء و علائقية متينة السبك بالمعنى و هذه بعض الكلمات التي ورد بها حرف الميم. 02-

( حمامات – مكنون – مشتاق هيمان – مالت ـ المبرح – حمع – منى – نعمان )
فاذا تدبرنا إيحاءات هذا التشاكل الصوتي نجده يولد انسيابية مزدوجة على مستوى المبنى الصوتي و على مستوى مبنى المعنى ، هذه الانسيابية المزدوجة التى لحمت الصوت بالمعنى و لحمت المعنى بالحرف و هذا التشاكل الصوتي يسهل فهم القصيدة و يقرب المعاني للأذهان فتنال بيسر
تشاكل المعنى :
إن المضمون هو المركز الذي تدور حوله التراكمات الصوتية و الصيغ النحوية و لذا نجد تشاكل المعنى أساسا يفهم من خلاله خطاب بن عربي فحينما هم بكشف ما يعتريه من هيامات و نبض خواطر اضطر إلى توظيف تشاكل معنوي أساسي انبنى عليه مقوم سياقي فقوله
ترفقن لا تظهرن بالنوح و البكا خفي صباباتي و مكنون أحزاني


فدعوته للحمامات بالترفق الذي يحدث بالشاعر كشفا لما خفى وما الكشف إلا إظهار لخفاء الصبابة و خفاء لمكنون جوى قد تحرقت به جوانح الشاعر
فنون النسوة فاعل لفعل الرفق و موضوع الرفق هو الشاعر فالموضوع و المحمول ينتهيان إلى رسم معنى " تهييج خواطر الشاعر و كشف صبابته و مكنون جواه " و هذا المعنى مقوم أساسي انبنت عليه القصيدة الصوفية
و هناك تشاكلا آخرا تمثل في البيان الموظف ففي قوله: « تلثم أركاني – أقسمت » ففي هذه الصورة يشبه الشاعر خواطره بالمرأة التي تلثم و تقسم و هذه الصور تدور في فلك الهوى الإلهي و قد ولدت تشاكلا في الصورة و الخيال

تشاكل الكلمات :
نلاحظ تجانس بعض الكلمات واختلافها في المعنى كقوله :
- مالت بأفنان على فأفناني .
وكذلك – لقد صار قلبي قابلا
هذا التجانس الذي عرفه إبن جني بأنه " أن يتفق اللفظان ويختلف أو يتقارب المعنيان " له دور في تقريب المعنى وإيصاله فهو يحدث أثرا بالنفس فتستأنس لهذا التشاكل الذي ينبلج من تحت طياته معنى مختلف .
القافية :
مما تكونت القافية في قصيدة تناوحت الأرواح ؟.
تكونت من روي وهو النون وقد نال هذا الحرف عند الصوفية القداسة وهو من الأحرف النورانية إذ قال تعالى " ن والقلم وما يسطرون " ولهذا الروي وصل تمثل في حرف المد الياء وأما الردف فكان ألف المد إذا تدبرنا إيحاءات القافية فنجدأهم صفة تميزها المد والانفتاح ويظهر ذلك في الردف والوصل : أشجاني .
وهذا المد والانفتاح ليس وليد الاعتباطية إنما له مسبباته فالشاعر الصوفي غير منغلق إنما يسبح في فضاءات مركبة ففضاء الكون الفسيح وهو مجلي التجليات الربانية وفضاء الخيال الصوفي والهيام الروحاني وهو تعبير عن امتداد الروح إلى الله امتداد حاجة وعبدانية وامتداد الضعف لمصدر القوة وامتداد من لا حول له إلى السر السرمدي والحقيقة الأبدية .
البنى الإيقاعية :
المقطع أكثر بن عربي من استخدامه المقاطع فالواو وارد بكثرة وإن كان له مسوغ فتسويغه ان الشاعر الصوفي يجتهد في ربط الروح بخالقها وإن تقطعت الأوصال وكان الوصل وميضا أوسنا كمثال لذلك " وجاءت من الشوق " .
فهذا المقطع المنفتح تناسب والحالة النفسية للشاعر أما قوله " من لي بذات الأثل – من لي بنعمان " فهذا المقطع مكون من صوت ساكن وصوت لين قصير وصوت ساكن وهو مقطع منغلق :(( من الشوق – من قدر ـ من عجب ))
أما المقاطع المتوسطة فقليلة وكثرت المقاطع الطويلة (( كما ألا – عند على – مال – جوى .))
تراوحت نسب توظيف المقاطع القصيرة والمتوسطة ولم تتجاوز الثلث من مجمل المقاطع وهذا يكشف أن هذه المقاطع ليست أساسا في كلام العرب بل وسيلة ربط ووشائح تسبك بها المقاطع الطويلة التي كانت لها الغلبة فهي منتشرة في القصيدة بنسبة عالية ولا غرومن ذلك فالأفعال الدالة على الحدث والصفات والحركة عبر الزمن كلها يعبر عنها بمقاطع طويلة وهذا غالب في القصائد الصوفية وما تناوح الأرواح إلا عينة دالة على ذلك (( ـترفقن ـ المبرح ـ هيمان )).
النبر : تنوع وقع النبر وقد ولد تراوحا أكسب القصيدة نفس شعري زاوج بين مسار المعنى وإنسياب الموسيقى الشعرية .
إلا يا حمامات الأركة والبان ترفقن لا تضعفن بالشجوأشجاني
0/0/0//0/0//0/0/0//0/0// 0/0/0///0//0/0/0//0/0//
ألا/ يا/حما/ما/تل/أرا/كة/ول/با/ني تــــرف/فــــق/نــــا/ولا/تــــض/عــــف/نــــبـــــش/شــجـــو/أش/جــــا/نــــي
فـعولن/مـفاعيلن/فعـول/مـفاعـيـلن فعولن/مفاعيلن/فعولن/مفاعيلن

لا نجد توازنا بين النبر الخفيف والقوي لكن يظهر طغيان النبر الخفيف على البيت وهذه الخفة تتوازى والرقة والخفة والرقة من صفات الشاعر الصوفي فمعانيه رقيقة وفعله يلامس في خفة ورقة ألا ترى قول الشاعر :
صاح خفف الوطء فما أرى أديم الأرض إلا من رفات هؤلاء .
التشاكل والتباين على مستوى المعجم :
إذا قمنا بقراءة مسحية لمعجمية شعراء الصوفية نجد تشاكلا واضحا في قاموسهم اللغوي فمو جودات الطبيعة من شجر وطيور تتعالق بعالم مسرى الأرواح
وحركية الصوفية إنما تتجسد في العالم المادي ليس إلا للقبض عن شواردها فتوظيف إبن عربي لشجرة الأراك وشجرة ألبان وأغصانها والغزلان والحمائم وكذلك ثقافتهم الدينية فالألواح والتوراة والمصحف والكعبة والحجر إنما تدور تلك الرموز في فلك الشاعر الصوفي يوظف إيحاءاتها ويصنع لها مدلولات جديدة يستقيها من عوالمه الصوفية جاهدا أن ينقل مدلولات هيامه الصوفي المجردة كوسائط وكلغة وسيطة بين عالمين عالم الروح وعالم المادة .
إن سيطرة بني معينة على معجم القصيدة تحيلنا على حقل دلالي صوفي محض وهذا ما يتجسد من خلال قصيدة تناوحت الأرواح فعوالم صبابة الصوفي وجوى العابد تخيم منذ البداية على القصيدة وتشكل الحقل الدلالي حتى صارت وسيلة تميز الخطاب الشعري الصوفي ومن لبانته : خفي صباباتي –حنة المشتاق –أنة الهيمان – فأفناني – الحب ديني .
فهذه اللبنات تشكل النواة التي ينبثق منها المعنى الصوفي وقد تميز المعجم الشعري للقصيدة بالتنوع والتجديد فإبن عربي لا يرزأ تحت قيد التقليد بل نلفيه مجددا للخطاب الشعري يسبح باللفظ في عوالم لم تعهد من قبل وكدليل على ذلك .
ومن عجب الأشياء ظبي مبرقع يشير بعناب ويومي بأجفان

فإن ألف الشعر العربي إيماءة الجفن فإن التجديد في إيحاء الظبي للروح المتجلية في سنا و إيماض .
تتسع مضان التشاكل إلى مستويات متلونة في الخطاب الشعري الصوفي وقد تميزت تراكيبه عن الأنماط الخطابية الأخرى ويتجلى ذلك على مستوى البيت :
أطارحها عند الأصيل وبالضحى بحنه مشتاق وأنة هـيـمان .
فبالصدر قدم ملفوظا يحوي فعل ترجيع الصدى بقوله أطارحها وربطه بالزمن عـند الأصيل وقابله بالضحى وما يوحيه الزمن من دلالة جمالية للأصيل ومن صبوة كابدها الشاعر بالضحى وهو زمن منفتح تطوي أطرافه أشجان وأسى الشاعر
وقابل هذا في الشطر الثاني بملفوظ يقابل الزمن الا وهو الحالية فيصور حنة المشتاق ويلونها بأنة الهيمان فالنعت بالإضافة حيث نعت الحنين بالاشتياق ونعت الأنين بالهيام وهو جدف في بجر اضطربت جوانبه لا يجدف فيه إلا من امتلك ناصية اللغة وانقادت له صهوة أوابد المخيال الصوفي .
-
- التقديم : جري بن عربي في قصيدته هذه مجرى العرف فلم يخرق عرف الجملة العربية ويشوش ترتيبها إلا في نزر قليل جدا وذلك في قوله .
- وليس لمخضوب وفاء بايمان
- ولهذا التقديم دواعي منها أن المعنى المحوري يسقط عن المقدم ولاستقامة الوزن والنسج الموسيقى دور في الإخلال بالترتيب المتداول .
بنية التعدي:
إن بنية التعدي بالقصيدة أنتجت تمددا مركبا,’ تمدد الشكل وتمدد المعنى وأما تمدد الشكل فتركيب الجملة لم يكتف بالفعل والفاعل بل تجاوزه إلى مفعول به : وقبّل أحجارا فهذا التمدد يحقق التساوي بين المعنى والمبنى وهو تطبيق جلي لفكرة :[كل زيادة في المعنى زيادة في المبنى ] [more of form is more of content ]
وأما تمديد المعنى فهوتحصيل حاصل فيبقى الفعل غيرمكتمل فيفتح المجال لربط الحدث بما يليه من مكملات تكون وتشكل المعنى فقول بن عربي : قبل يبقى المعنى متبورا يمد وشيجة تبحث عن وصل لا يتم المعنى إلا به ومعه ان بنية التعدي نماء أفقى وإنسياب معنوي وتركيب صلبت لحمته فأعطت البنية شكلا مميزا .
فصل التركيب البلاغي :
تعتمد الدراسات البلاغية أساسا على دراسة مستويات الخطاب وقد ترتكز على مستويين أساسين يمكن تجزئتهما فيما بعد إلى فصول أدق وأكثر توغلا في التحليلات وأما المستويان فهما الحقيقة و المجاز .
وقد يعتمد مستوى الحقيقة كقاعدة ينبني عليها الخطاب ثم سرعان ما يلبث أن يتطور في سياق تركيبي إلى مستوى المجار فقوله تناوحت الأرواح .
فإن الاستعارة تتعلق بكلمة تناوحت والسياق المجازي هو الأرواح فالمعنى الحقيقي المتعارف عليه لكلمة تناوحت هو تبادل البكاء وهو صفة تميز الإنسان دون سائر المخلوقات .وأما المعنى المجازي هو حال الحزن والأسى الذي اعترى الأرواح هذا مجال تطبيق النظرية الإبدالية التي صاغها مولينو و هي لا تناقض ما ذهب إليه البلاغيون العرب .
أما النظرية التفاعلية وهي حصيلة جهد البلاغيين المحدثين ومسلماتها هي أن الاستعارة لا تقتصر على كلمة واحدة بل تتجاوز ذلك وهي تركيب ممتد فقول ابن عربي تتناوح الأرواح إنما الاستعارة في امتداد المعنى بين الكلمتين .
• و لا تقتصر الاستعارة عند الصوفية عند البعد الجمالي بل تتعداه إلى بعد وصفي و بعد عاطفي بل أحيانا إلى بعد معرفي فابن عربي همّ بوصف حالة اعترته و جوى محرق بل موقف إيماني ,فهمّ أن يبلّغ هذه الأبعاد بتوظيفه الاستعاري الذي يحمل شحنه لا تنطفئ جذوتها بامتداد أطراف الوظائف النفسية و المعرفية للملفوظ و هناك اتجاه آخر بنيوي تعاضدت فيه جهود يالمسليف و جاكبسون و كريماص و بوتي ، يعتمد على التحليل الاستعاري بواسطة المقومات و إذا طبقنا هذه النظرية فنجدها تتجلى في المقابلة بين الإنسان كملموس والروح كمجرد
الإنسان الروح
ملموس
مادي
عرض
مرئي
ظاهر
يحده المكان و الزمان
مفرد
مذكر
فاني مجرد
محسوس
جوهر
غير مرئي
غيبي
تسبح في المكان و الزمان
مفرد
مؤنث
خالدة


ويرى هؤلاء أن الاستعارة تجود كلما كان التوافق في المقومات العرضية و الاختلاف في المقومات الجوهرية و هذا يتجلى بوضوح في الاستعارة التي اتخذناها مجالا للتطبيق فالمقومات الجوهرية كثيرة التباين بين الانسان و الروح و هناك مقومات مشتركة كثيرة إلا أنها عرضية

إن موقف الشاعر يدفعه إلى انتهاج الخيال كوسيلة لكشف مكنوناته و تباريحه لذا استخدم ابن عربي الصور في قسط و اعتدال و من ذلك قوله : «لا تظهرن بالنوح ــ فأفضى على الحمائم صفة البكاء و استعارة منها تصدره من صوت و قد سبق بهذا المعنى فقد جرى على ألسنة العرب أن هديل الحمام هو بكاء و مثال ذلك قول أبي العلاء المعري »
غير مجد في ملّتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شادي
أبكت تلكم الحمامة أم غنت على فرع غصنها الميادي
التمطيط و الإيجاز : آليتان لا يستغني عنهما الفنان الشاعر فتراه حينا مضطرا أن يمطط معانيه و قد تتعدد الأغراض و حينا يضطر إلى الإيجاز و قد قيل إنما البلاغة إيجاز
أما ابن عربي نجده يمطط معانيه مستقصيا كشف الحالات التي تعتريه فحينا مخاطبا حمامات الأراكة بأن يرفقن به و ما تلك إلا وسيلة لكشف ما اعتلج بجوانبه من صبابة و جوى و يفيض ممططا معانيه كاشفا تباريحه و ذاك ديدن القصيدة من المبدأ إلى المنتهى
و حينا تخونه بنات الضاد فلا يتأتي له الاسترسال فيمتطي صهوة الإيجاز و يكثف من تجربته الشعرية مستخدما الرمز قائلا :
- و مرعاه ما بين الترائب و الحشا و يا عجبا من روضة وسط نيران
لقد صار قلبي قابلا كل صورة فـمرعى لغــزلان و ديــر لرهــبان
بل يوظف الإحالة الدينية و التاريخية في قوله :
- و بيت لأوثان و كعبة طائف و ألواح توراة و مصحف قرآن
التفاعل :
من أهم البنيات الأساسية في القصيدة المعينات les deixis من هذه المعينات الضمائر و قد تنوعت بين الأنا و هو الضمير المسيطر و يمثل الشاعر و بين ال هي أو الأنتن و اللتان تمثلان الطرف الذي يقابل الشاعر و يخاطبه و يظهر ذلك في :
ترفقن -ــ لا تضعفن ــ لا تظهرن
و الهي : أطارحها ــ تناوحت ـــ فمالت ـــ جاءت ـــ تطوف
أما الظروف : فمنها ظرف الزمان : عند الأصيل ــ عند الضحى ـ ساعة
ومنها ظرف المكان – مابين الترائب
- روضة و سط نيران
- أما أسماء الإشارة : فانعدمت بالقصيدة و لم يوظفها الشاعر ان العامل الغالب المنجز للأفعال هو [ انتن و هي ] يعود هذان الضميران انتن على الحمائم أما هي فيقصد الروح وقد فتح الشاعر مجال الفعلية في ملفوظة الشعري بقصد اضفاء الحركية و الحياة على العالم المجرد الذي تتفاعل فيه الأحداث هذا العالم المتوثب الذي يتخذ منه الشاعر مسرحا للتجليات الصوفية الذي يفيض نشاطا و يمتلئ بالحدثية و لا ضير من ذلك فالشاعر قد انطفأت جذوة الحياة المادية من حوله و اتقد نبراس الحقائق الأبدية يجلى غياهب العتمة و يكشفها عوالم ترفل متفيأة ظلال الشجو و الشوق .
أما عامل الزمان فيذكر الأصيل كزمن للمطارحة و يزاوجه بالضحى و هي أزمنة تناسب الاستجداء الصوفي
أما عامل المكان فتراوح بين أنواع من الشجر كالأراكة و البان و الغيضة و هو مكان من الطبيعة يرمقه الشاعر بنظره من ينظر من الأسفل إلى الأعلى ثم ذكر أماكن مقدسة من الموروث الديني كمنى والكعبة ودير الرهبان و استغل إيحاءات هذه الأمكنة و ما ترمز له من قداسة فجعل الكعبة وقلبه متشابهان في عملية الطواف و تلك صورة حصر على الأدبية الصوفية لا نلفي لها طرحا خارج أسواره

ماجستير في النقد المعاصر
جامعة الأغواط الجزائر

No comments:

Counter